“نصف أطفال لبنان غير ملقّحين”… هذا ما فعله الإنهيار وكورونا
بيروت_ نادر حجاز|
السنوات الأخيرة لم تكن سهلة على لبنان، وقد عانى كما كل دول العالم من وباء كورونا منذ مطلع العام ٢٠٢٠، والذي ترافق مع أزمة اقتصادية غير مسبوقة، لا تزال مستمرة الى اليوم، مع كل ما حملته من أوضاع معيشية واجتماعية صعبة في ظل الانهيار الكبير في قيمة الليرة اللبنانية وفقدان اللبنانيين للقدرة الشرائية والغلاء الفاحش في الأسعار في كافة القطاعات.
وبالتالي فإن السؤال مشروعاً حول مدى تأثير هذه الأزمة كما الكوفيد على لقاحات الأطفال في لبنان، خصوصاً وأن الأزمة طالت بشكل كبير القطاع الصحي، طيلة فترة الوباء عاش العالم تحت حكم الحجر الصحي والتباعد الاجتماعي والتزام الناس بمنازلهم، وكان من الصعب في تلك الفترة على الأهالي أن يأخذوا أطفالهم الى مراكز صحية أو عيادات خاصة لتلقي أطفالهم اللقاحات الأساسية، وكان الاهتمام في مكان آخر وهو كيفية النجاة من الفيروس القاتل الذي اجتاح العالم.
وفي كلام صريح، مع ما يحمله من دلالات، ينبّه رئيس اللجنة الوطنية التقنية للتحصين في لبنان، اختصاصي طب الأطفال، البروفسور برنارد جرباقه في حديث لموقع “أم تي في” الى أن “حوالي نصف أطفال لبنان لم يأخذوا كل لقاحاتهم، وعدد كبير منهم تراجعت لديهم نسب التحصين ما يعني أن ليس لديهم حماية كافية”.
تحذير اليونيسيف
من جهتها منظّمة “اليونيسف” سبق وحذّرت في تقرير لها، عام ٢٠٢٢، بعنوان “تفاقم الأزمة الصحيّة للأطفال في لبنان”، من انخفاض معدّلات التلقيح الروتينيّ في لبنان للأطفال بنسبة ٣١ في المئة. وتظهر إحصاءاتها استقرار نسب التلقيح ما بين ٨٠ إلى ١٠٠ في المئة حتى العام ٢٠١٩، وكيفية تراجعها الى ما بين ٦٠ و٧٩ في المئة في العام ٢٠٢٠ وما بين ٤٠ و٥٩ في المئة في العامين ٢٠٢١ و٢٠٢٢. (تجدون الرسم البياني التوضيحي رقم ١ مرفقاً)
والوضع لا يزال غير مطمئن، حيث أصدرت منظمة الصحة العالمية واليونيسيف تقديرات جديدة في ١٩ تموز ٢٠٢٣، حصل موقع “أم تي في” على نسخة منها، وتؤكد أنه لم تتحسّن حالة تطعيم الأطفال منذ الأزمة الاقتصادية ووباء كورونا عام ٢٠٢٠، وتشير بالأرقام الى التالي:
-فوّت طفل من أصل ثلاثة وُلدوا في لبنان عام ٢٠٢٢ جرعة أو أكثر من لقاحاتهم.
-لم يتلق طفل من أصل ثلاثة وُلدوا في لبنان عام ٢٠٢٢ جرعة واحدة من لقاح الحصبة، ما يجعلهم أكثر عرضة للإصابة بالحصبة وغيرها من الأمراض المميتة.
-لم يتلق طفل من أصل عشرة وُلدوا في لبنان عام ٢٠٢٢ جرعة واحدة من أي لقاح.
كما تنبّه التقديرات من أن العدد الكبير من الأطفال غير الملقحين خلال مرحلة الـ(٤-٥ سنوات) مهدّدون بنقص في المناعة، ما يجعلهم معرضين للأمراض بشكل كبير، محذرة من أن الأطفال في لبنان معرضون للإصابة بالشلل بنسبة كبيرة بسبب انخفاض معدلات التطعيم. “لمزيد من التفاصيل حول حملات التلقيح في لبنان على مدى السنوات الماضية إضغط هنا”
أسباب انخفاض التلقيح
ولكن ما الأسباب الرئيسية التي أدت الى هذا الانخفاض؟
توضح “اليونيسيف” أن الأسباب كثيرة، منها أن القطاع الخاص مكلف للغاية بسبب الأزمة الاقتصادية، تكلفة النقل للوصول إلى المرافق الصحية ما يؤدي إلى التأخر في التطعيم، فرض بعض مرافق الصحة العامة تكاليف التسجيل أو الاستشارة حتى عند توفر اللقاحات مجانًا، تغيّر أولوية الأهل منها أولوية تطعيم الأطفال وأولويات تكميلية أخرى، جهل مواعيد التطعيم ما يؤدي إلى تفويت جرعات، عدم إدراك مخاطر عدم التطعيم، الثقة المحدودة بالخدمات الصحية من نظام الصحة العامة أو عدم الرغبة في الحصول عليها ومواجهة النظام الصحي نقص حاد في الموارد البشرية.
قد يهمك..الوصمة تضاعف عدد مرضى الاضطرابات وتغلق تخصصات الصحة النفسية في اليمن
من جهتها، أشارت الدكتورة حمادة الى عامل غير مشجع على التلقيح إضافة الى الأسباب المذكورة، وتتمثّل بأن الاعلام لا يلعب دوراً مهماً على صعيد التشجيع على التلقيح، لا سيما لجهة إبعاد اللقاح وصحة الطفل عن السياسة والاضاءة فقط على اللقاح وصحة الطفل وأهمية هذا اللقاح وحثّ الأهالي على تلقيح أطفالهم، خصوصاً وأن اللقاح متوفر ولا عذر لديهم، وكل الإمكانيات المطلوبة متوفرة كي يلقحوا أطفالهم.
عودة الحصبة
في منطقتي صبرا وشاتيلا، وهي جزء من منطقة الغبيري في قضاء بعبدا، ظهرت طفرة واسعة من الحصبة في النصف الأول من العام 2023، لتتسع رقعة إنتشاره لاحقاً ما استدعى استنفاراً صحياً للحد من انتقال الفيروس إلى مناطق أخرى، الأمر الذي وثّقته منظمة الصحة العالمية واليونيسيف في آخر إحاطة لها، كاشفة أن لبنان يسجل ارتفاعاً كبيراً في عدد الأطفال المصابين بالحصبة مقارنةً بالسنوات السابقة.
وفي شرح لما حصل في هذه المنطقة، تقول رئيسة دائرة الرعاية الصحية الأولية في وزارة الصحة الدكتورة رندة حمادة: “ظهرت بؤر من حالات الحصبة في البداية في شاتيلا على أطراف المخيمات، والسبب يعود الى عدم تواجد عدد من العائلات في المنطقة خلال عملية التطعيم وهي التي شهدت على حالات الحصبة، أو كانت متواجدة لكنها لم تذهب لأخذ اللقاح لأسباب اجتماعية متعددة بعضها على علاقة بعدم المعرفة الكافية أو الضائقة المعيشية”.
وأوضحت حمادة في حديث لموقع “أم تي في” “أننا منذ أواخر شهر أيار لم نسجّل أية حالة حصبة، وهذا مؤشر مهم جداً الى أننا استطعنا تطويق هذه الطفرة وعدم انتشارها بشكل أوسع، ولكن في أي لحظة وفي الأوضاع التي يعيشها لبنان، وفي ظل الظروف الصحية والمعيشية والاقتصادية التي نعيشها، نحن معرّضون لجائحة حصبة جديدة أو أبو كعب أو سواها”.
ولكن أي مخاطر تنطوي على انتشار الحصبة ولماذا الأمر مقلق؟ تحذّر حمادة من أن “الحصبة تشكل تهديداً كبير جداً لأنها تسبب الإعاقة أو الوفاة عند الطفل، وذلك لأن المضاعفات الناتجة عن الحصبة تؤدي الى مشاكل صحية كبيرة. وتشكل خطراً للانتشار على نطاق أوسع”.
ما هي الحصبة؟
وأمام هذا الواقع المستجد والتحذيرات، ما هي الحصبة؟ ولماذا يجب التنبّه لها؟
اختصاصي طب الأطفال الدكتور خالد الحكيم أوضح أن “الحصبة هي عدوى تصيب الأطفال بسبب الفيروسات الموجودة في الأنف والحلق وتنتشر بسهولة من خلال السعال والعطس وملامسة إفرازات الأنف وقد تكون من الأمراض الخطيرة”، لافتاً الى أن “مؤشرات المرض وأعراضه تظهر بعد التعرض للفيروسات بفترة تتراوح بين ١٠ و١٤ يوماً وهي الحمى، السعال الجاف، سيلان الأنف، التهاب الحلق، التهاب الأذنين، بقع بيضاء داخل الأنف تسمى كوبليك وطفح جلدي”.
ونبّه حكيم في حديث لموقع “أم تي في” من أنه يمكن للشخص المصاب بالحصبة أن ينشر العدوى للآخرين لمدة ٨ أيام تبدأ قبل أربعة أيام من ظهور الطفح الجلدي وتنتهي بعد أربعة أيام من ظهوره.
الوقاية بالتطعيم
وأما سبل الوقاية، فمن خلال إعطاء لقاح الحصبة وهو لقاح مركب ثلاثي ضد الحصبة، الحصبة الألمانية وأبو كعب. على أن يعطى اللقاح على جرعتين، الأولى بعمر السنة والثانية بعمر السنة والنصف، ويمكن إعطاء جرعة داعمة قبل دخول المدرسة بعمر ٤-٦سنوات.
ويؤكد حكيم أن تلقي اللقاح يؤمن الى نسبة ٩٧ في المئة الوقاية ومنع الإصابة بها مدى الحياة، وفي حال الإصابة بالمرض بعد تلقي اللقاح فيكون بعوارض بسيطة غير خطيرة، مشدداً على أن الحفاظ على معدلات تطعيم ثابتة هو أمر مهم لأنه بمجرد هبوط معدلات التطعيم سرعان ما ستعود الحصبة للظهور.
وعلى أثر الانتشار الكبير للفيروس في النصف الأول من العام 2023، تم تنسيق خطة الاستجابة لحالات الحصبة المستجدة على عدة مستويات بين وزارة الصحة واليونيسيف ومنظمة الصحة العالمية والمركز اللبناني للاجئين، حيث تم تكثيف التحصين الروتيني بمنطقة صبرا، وبلغ عدد الأطفال الذين تم تلقيحهم ضد الحصبة ١٨٢٢ طفلاً، كما أفاد تقرير لوزارة الصحة حصل موقع “أم تي في” على نسخة منه، والذي لا يلحظ عدد الأطفال الذين كان يجب إستهدافهم بالتلقيح، لكنه يشير إلى انه يتم إجراء المراقبة بشكل حاسم لتحديد الحالات المحتملة بالإضافة إلى التحقيق في أي حالة تم الإبلاغ عنها إلى وزارة الصحة.
لا أرقام واضحة
وفي هذا السياق، تلف حمادة الى “وجوب إعادة النظر بعدد الأطفال المقيمين في لبنان لأننا لا نزال نحتسب نسب التلقيح وفق احصاءات أعداد الأطفال المقيمين القديمة، في حين أن بعض الأطفال أصبحوا خارج لبنان بسبب الهجرة. وبالتالي هناك أمور عدة تمنعنا من تقديم الأرقام بشكل دقيق، الأمر الذي ينعكس سلباً علينا ويوحي وكأن ما نقوم به من جهد لا ينعكس إيجاباً على نسبة التلقيح”.
View this post on Instagram
وتشير حمادة الى “أننا نخشى من بداية العام الدراسي في ظل عودة التلاميذ الى المدارس والخوف من العدوى، لذلك هناك خطر، والوزارة تستعد للمواجهة من خلال تكثيف الحملات لتعزيز التلقيح الروتيني عبر مراكزنا وعبر الصليب الاحمر اللبناني ودعم اليونيسيف، ومن خلال قيام مراكز الرعاية بمسح شامل لنطاقها الجغرافي وتطعيم جميع الأطفال، وأن يكون لدينا العدد الكافي من اللقاحات لنكون مستعدين للقيام بحملة وطنية، وفي الوقت نفسه فإن اللجان الوطنية المختصة مع برنامج التلقيح تتابع عملها مع منظمة اليونيسيف ومنظمة الصحة العالمية، وقمنا بتقييم للمخاطر وبحثنا في أسباب الحصبة وما كانت النتائج وما المخاوف، ووضعنا خطة لنبني عليها على المدى القصير والمتوسط والبعيد وذلك لاستمرارية المواجهة المطلوبة بحالات الحصبة”.
انفجار مرفأ بيروت
من جهته، عدّد البروفيسور جرباقه عوامل عدة أثّرت على نسبة التحصين عند الأطفال، اضافة الى الانهيار الاقتصادي، النزاعات الأمنية وخاصة انفجار مرفأ بيروت الذي زعزع كل المراكز الصحية في بيروت وشتّت العائلات التي أصبح لديها أولويات أخرى للملمة جراحها ودمار بيوتها، كما قرارات وزارة الصحة حول تغيير آلية نقل اللقاحات عند أطباء الأطفال. كل ذلك أدى الى التراجع في نسبة التحصين عند الأطفال. فكانت نسبة التحصين ضد الشلل مثلاً في السابق، خاصة خلال الحرب في سوريا، فوق ٩٥ في المئة، وضد الحصبة أكثر من ٩٠ في المئة. ولكن بعد المشاكل المتراكمة حصل تراجع في نسب التحصين الى حدود ٣٥ و٥٠ في المئة.
وطأة الأزمة
الأسباب التي عددتها “اليونيسيف” تبدو واقعية قياساً للأوضاع التي يعيشها اللبنانيون. فنور، من سكان جبل لبنان، أم لثلاثة أولاد، الأول مواليد العام ٢٠١١، الثاني العام ٢٠١٤ والثالث مواليد العام ٢٠٢١ أي خلال ذروة انتشار وباء كورونا.
الطفل الأول تلقى كل لقاحاته الأساسية كاملة، أما الطفل الثاني ولأسباب مادية خسر جرعات أساسية ولم يتلق معظم لقاحاته، حيث كان لدى العائلة أولويات أخرى ضاغطة، وتحاول العائلة تعويض بعض اللقاحات من خلال المدرسة التي قامت خلال العامين الدراسيين الماضيين بحملات تلقيح بالتعاون مع الصليب الأحمر اللبناني.
أما الطفل الثالث، والبالغ من العمر اليوم سنتين، فتشير الوالدة الى تلقيه معظم لقاحاته ما عدا لقاحي الحصبة والروتا، وهذا الأخير عبارة عن ٣ جرعات، وذلك بسبب عدم القدرة على شرائه وعدم توفره حينه في المستوصف القريب من منطقة سكن العائلة، ولم تتمكن العائلة من إعطاء طفلها لاحقاً لقاح الروتا الذي يجب أخذه قبل بلوغ عمر السنة. وتشير الوالدة الى عدم قدرتهم على التوجه الى مركز رعاية صحية بعيد بسبب تكلفة التنقل المرتفعة في ظل ارتفاع أسعار البنزين والمواصلات.
وتعليقاً على هذه المعوقات التي تواجه العائلات، نقطة مهمة يجب أن يعلمها الأهالي، حيث كان لافتاً اعلان الدكتورة حمادة “أننا نعتمد سياسة تقوم على الاعتماد على العيادات النقالة وتوجيهها نحو المناطق البعيدة حيث هناك استحالة لدى الأهالي للتوجه الى مراكز الرعاية الصحية، إضافة إلى تخصيص بعض مراكز الرعاية باصات مجانية مكلّفة بإحضار الأهالي المحتاجين وأطفالهم لأخذ اللقاح، وهذا مع الإشارة الى بدء توفّر وسائل نقل أرخص من السيارة يستخدمها الناس. وهذه العوامل جميعها تؤثر على قدرة الأهل للوصول الى مراكز التلقيح.”
فوارق اجتماعية
وصحيح أن نسب التلقيح الإجمالية تشهد تراجعاً، إلا أن الأزمة المالية تركت العديد من التداعيات ومنها الفوارق الاجتماعية الحادة، ومن هنا كان توجّه عائلات لبنانية كثيرة الى القطاع الخاص لأخذ اللقاحات، وذلك نظراً لقدرتها المالية على القيام بذلك على خلاف عائلات كثيرة من ذوي الدخل المحدود همّشتها الأزمة وهي مضطرة على أن تقصد مراكز الرعاية الصحية، وأحياناً تعجز حتى عن ذلك بعدما بلغ سعر صفيحة البنزين حوالى مليون و٦٠٠ ألف ليرة اليوم بعدما كانت في العام ٢٠١٩ تبلغ حوالى ٢٠ ألف ليرة.
فسينتيا أم لبنانية لطفلين، من سكان مدينة جبيل، طفلها الأول يبلغ من العمر ٥ سنوات والثاني ١٠ أشهر، تؤكد أنها لم تجد صعوبة في إيجاد اللقاحات لطفليها طوال الفترة الماضية ولا تأخير لديهما في مواعيد الجرعات، كما أنها لم تنقطع عن تلقيحهما طوال فترة وباء كورونا. لكنها أشارت الى أنها تلقّح طفليها في عيادة خاصة، ولم تزر يوماً مركزاً للرعاية الصحية، رغم تأمينه هناك مجاناً، معتبرة أن في ذلك مصدر أمان لعائلتها أكثر، خصوصاً وأن لديها القدرة على دفع ثمن هذه اللقاحات في عيادة خاصة.
ورداً على سؤال، لفتت سينتيا إلى أن أسعار اللقاحات التي تشتريها حالياً لطفلها حديث الولادة تتراوح بين ٤٠ و٨٠ دولاراً، من ماركات غير تلك المتوفرة في مراكز الرعاية، واللقاح الأخير كان ضد الحصبة الألمانية وأبو كعيب، وبلغ سعره ٨٠ دولاراً. وهنا تجدر الإشارة الى حجم انهيار العملة الوطنية، فمبلغ ٨٠ دولاراً قبل الأزمة الاقتصادية كانت تبلغ ١٢٠ ألف ليرة، أما اليوم فباتت بحدود ٨ ملايين ليرة لبنانية، في وقت لا يزال الحد الأدنى للأجور لعدد كبير من الموظفين لا يتعدى ال١٠ ملايين ليرة.
أسعار اللقاحات
ولكن هل هذه الأسعار تبدو منطقية؟ فيوضح البروفسور جرباقه أن مراجعة الطبيب في عيادته الخاصة من أجل التلقيح فهي تشمل استشارة الطبيب وسعر اللقاح، وأسعار اللقاحات تتراوح بين بضعة دولارات و٢٠٠ دولار حسب نوعية اللقاح، أما اللقاحات الالزامية الموجودة عند أطباء الأطفال فيأخذ الطبيب ثمن استشارته واللقاح يعطى من دون بدل، أما في مراكز الرعاية الصحية فهو شبه مجاني.
أنواع اللقاحات
وحول أنواع اللقاحات وأهميتها، قال جرباقه: “هناك أمراض أخرى كالكزاز والخانوق والشاهوق والشلل الوبائي وهو مرض خطير جدا وينتشر بسرعة كبيرة ومن الضروري الحفاظ على التحصين ضده ولبنان منذ ٢٠ سنة لم يشهد اي حالة من هذا الشلل، ما يؤشر الى أن برامج التحصين كانت جيدة جداً ويجب أن نعيد تقويتها، فتسجيل حالة شلل وبائي واحدة تعني أن هناك ١٠٠ شخص في محيطها يحملون الفيروس، وهذا الأمر خطير جداً على الامن الصحي بلبنان. هذا اضافة الى الحصبة والحصبة الألمانية وابو كعب والصفيرة والسحايا والروتا وهذه اللقاحات كلها متوفرة عند أطباء الأطفال ومراكز الرعاية الصحية واصابتهم خطرة لذلك من الضروري اجراء اللقاح.”
وأوضح جرباقه أن “بعض اللقاحات لا يمكن إعادتها كالروتا، فإذا لم يأخذه الطفل بعمر ٨ أو ٩ أشهر لا يمكن أخذه لاحقاً، ومن هنا أهمية الالتزام ببرنامج التحصين وأخذ الأطفال للقاحاتهم في وقتهم بالتشاور مع طبيب أطفال. وكلما تأخروا بأخذ اللقاحات ارتفعت نسب احتمال حصول الاصابة في مرحلة الأعمار الصغيرة والتي يكون فيها الطفل عرضة لامراض خطرة، على سبيل المثال التهاب السحايا والالتهاب الرئوي يصيبوا الأطفال الرضع أكثر من شرائح عمرية اخرى، ومن الضروري أن يكونوا ملقحين كي يكونوا محصنين ضدها، وأيضاً الصفيرة اذا أصيب بها الوليد بعد ولادته يكون خطر ولذلك ايضاً صحة الأم ولقاحاتها مهمة كي تكون محمية وتحمي أطفالها. أما الأطفال الذين تأخروا على تناول لقاحاتهم أو الجرعات الاضافية، فهناك برنامج للترسب من أجل الاستحصال مجددا على اللقاحات، وبرنامج الاستلحاق هذا من الضروري تطبيقه وموجود وواضح في وزارة الصحة وعند أطباء الأطفال، ومن الضروري ان يقوم هؤلاء بالاستلحاق للحصول على لقاحاتهم المتأخرة في مراكز الرعاية ولدى أطباء الأطفال.”
جودة اللقاحات
على صعيد آخر، وبفعل تداعيات الأزمة الاقتصادية وما رافقها من تهريب وإدخال سلع وأدوية غير جيدة الى الأسواق اللبنانية، طمأن جرباقه الى أن “كل اللقاحات التي توافق عليها وزارة الصحة تكون حائزة على موافقة منظمة الصحة العالمية واليونيسيف، اذا اللقاحات الرسمية هي مختلفة الأنواع لكنها جميعها ذات جودة، أما بالنسبة للقاحات المهرّبة، وهذا الأمر حصل من عدة سنوات ولا زال يحصل، يتم اما عبر التهريب بالحقائب بطرق غير رسمية وبالتهريب من الخارج الى لبنان او العكس خاصة في مرحلة الدعم والقرارات السيئة التي اتخذتها وزارة الصحة آنذاك ساهمت بالتهريب وعدم توفر اللقاحات للأطفال في لبنان لفترة تعدت السنة. أما حاليا فاللقاحات متوفرة في الأسواق، هناك اللقاحات الالزامية وعددها ١١ لقاحاً، واللقاحات التي ننصح بأخذها ونعتبرها ضرورية وهي سائر اللقاحات غير الالزامية لكنها ضرورية وموجودة عند أطباء الأطفال، وعلى سبيل المثال الصفيرة “أ” والتيفوئيد وجدرة الماء”، مشدداً على أنه “لا يجوز أن يعطي الأهل أطفالهم لقاحات مهربة على الاطلاق لان نوعيتهم سيئة ولا نعرف كيفية حفظهم. وبصورة عامة اللقاحات المهربة غير موجودة عند أطباء الاطفال ولا مراكز الرعاية الصحية.”
رقابة الدولة
كان لا بدّ من سؤال الجهات الرسمية حول حقيقة وجود لقاحات مهرّبة في السوق اللبناني، حيث علّق رئيس لجنة الصحة النيابية الدكتور بلال عبدالله في حديث لموقع “أم تي في” بالقول: “ربما، للأسف تفلّت الحدود وعدم ضبطها وغياب هيبة الدولة اللبنانية وبعض الفوضى في المرافئ الشرعية جعل لبنان ليكون معرّضاً لوجود سوق موازٍ من خلال الأدوية المهرّبة وربما بعض اللقاحات المهرّبة”، مضيفاً “أعتقد ان هنا مسؤولية الأطباء، فالطبيب هو المسؤول عن التأكد بشكل مباشر من سلامة اللقاح ومصدره والشركة المستوردة إذا كان في القطاع الخاص، أما بالنسبة لمراكز الرعاية الصحية الأولية فاللقاح مسلّم رسمياً من وزارة الصحة، ولقاحات وزارة الصحة هي الأفضل عالمياً والمعتمدة والمرخصة والمسموح بها والمحفوضة في أفضل الظروف، فمراكز الرعاية الصحية في لبنان مزوّدة ببرادات على الطاقة الشمسية وهي مراقبة. لذلك فإن التهريب قد يكون في بعض الاماكن المحدودة في بعض المخيمات الفلسطينية ومخيمات النازحين السوريين، ولكن بشكل عام مشكلة التهريب في لبنان تطال الادوية أكثر من اللقاحات”.
View this post on Instagram
وأشار عبدالله الى أن “لا دور رقابي للجنة الصحة النيابية على التنفيذ الميداني، إنما نحن نراقب وزارة الصحة وغير مؤسسات، وذلك بإطار تشريعي وليس على الأرض. وأعتقد ان الدور الرقابي بشكل عام في لبنان تراجع لأن موظفي القطاع العام إما مضربين أو منكفئين عن العمل وذلك بسبب تدني الأجور والرواتب، لذلك نعم صحيح الرقابة الفعلية الجدية كما كانت في لبنان سابقاً غير متوفرة ولا أعتقد أنها ستتوفر في المدى القريب المنظور في حال بقيت الرواتب على المستوى الحالي”.
تكثيف نشاط التحصين الروتيني
وأمام هذا الواقع، توجه اليونيسيف دعوة للتغير، معتبرة أن هناك ضرورة ملحة لزيادة معدلات التطعيم لحماية الأطفال من الأمراض المميتة، تذكير الأهل لتطعيم أطفالهم في الموعد المحدد، تعاون القطاعين العام والخاص لتحصين كل طفل وحمايته، مع التشديد أن أفراد المجتمع يلعبون دورًا كبيرًا في جعل التطعيم أحد الأولويات القصوى لحماية جميع الأطفال في مجتمعهم.
وفي محاولة للوصول الى أوسع عدد ممكن من الأطفال، ونظرًا لانخفاض التغطية الذي يمكن أن يُعزى إلى الأزمات المالية ووباء كورونا، قامت وزارة الصحة بإجراء تدخل تطعيم في جميع أنحاء لبنان بالتعاون مع اليونيسف والصليب الأحمر اللبناني لتكثيف نشاط التحصين الروتيني.
وتفيد الأرقام التي حصل عليها موقع “أم تي في” من وزارة الصحة بأنه في عام ٢٠٢٢ تم الوصول إلى ١٨٧١٩٧ مستفيدًا. أما في عام ٢٠٢٣ تم الوصول إلى ١٣٦٨٥٩ مستفيدًا. (تجدون الرسم التوضيحي رقم ٢ مرفقا)
استهداف المدارس
حملات التلقيح توسعت واستهدفت بشكل أساسي المدارس التي غالباً ما تشكل المساحة الأكثر عرضة لانتقال العدوى والفيروسات، وبالتالي تستقطب حملات التلقيح للتحصين في وجه الأمراض، ومدرسة مار جرجس المارونية في عين دارة، وهي مدرسة نصف مجانية تستقطب العائلات من ذوي الدخل المحدود والمتوسط، شهدت على حملات تلقيح عدة في العامين الماضيين، أي ما بعد كورونا.
اقرأ أيضاً..دراسة تكشف أهم الأمراض المزمنة المنتشرة في اليمن
وأشار رئيس المدرسة الأب شكرالله شهوان في حديث لموقع “أم تي في” الى أن الصليب الأحمر اللبناني قام بالتنسيق مع إدارة المدرسة، خلال العام الدراسي ٢٠٢٢ – ٢٠٢٣ بثلاث حملات تلقيح في المدرسة، حيث تلقى حوالى ١٠٠ طالب من لبنانيين وسوريين لقاحاتهم، أي بنسبة ١٠٠ في المئة من تلاميذ المدرسة، الأمر الذي حصل أيضا في العام الدراسي السابق أي ٢٠٢١ – ٢٠٢٢.
ولفت الى أن ما قبل وباء كورونا كان التلاميذ يتلقون لقاحاتهم مع ذويهم، لكن ما بعد الكوفيد بدأت تحصل حملات تلقيح في المدرسة للوصول الى أكبر عدد ممكن من الأطفال.
وكشف أنه لوحظ من خلال السجلات الصحية للتلاميذ انقطاع عدد منهم في الفترة السابقة عن تلقي بعض لقاحاتهم، ويبلغ عددهم بين ١٠ و٢٠ تلميذاً، لافتاً الى أن بعض الأهالي كان لديهم قناعة بأن اللقاح ليس بالأمر الجيد والضروري، مضيفاً انه تواصل مع هذه العائلات وأقنعها بضرورة اجراء اللقاحات وهذا ما حصل من ضمن الحملات التي شهدتها المدرسة.
وأشار الى تسجيل حالتي حصبة خلال العام الدراسي المنصرم ولكن بعوارض طبيعية لأن الطفلين كانا قد تلقيا لقاح الحصبة، كاشفاً عن تقرير أسبوعي تطلبه وزارة الصحة من المدرسة حول حالات صحية يتم تسجيلها.
وتطرق الى مشكلة واجهتهم مع تلاميذ سوريين بلا سجلات صحية، ولم يتمكنوا من معرفة اللقاحات التي سبق لهم وأخذوها أو اذا تناولوها أصلاً، وبلغ عددهم ١٠ تلاميذ تقريباً، وقد عمد الصليب الأحمر الى إعطائهم اللقاحات التي يسمح بها البرنامج الوطني للتحصين في هذه الحالة.
وقف الإنحدار
وللإطلاع أكثر على كيفية تدخل وزارة الصحة في ظل هذا التراجع في نسب التلقيح، أوضحت الدكتورة حمادة “أننا نقوم بحملة تلقيح كبيرة، ولولا هذه الحملة كانت النسب المنخفضة استمرت بالانحدار، وهذا مؤشر مهم جداً الى أننا استطعنا وقف التدني والانخفاض في مستوى التلقيح والحفاظ عليه عند حدود معينة وبدأنا بالصعود بنسب التلقيح. طبعاً لن نتمكن من العودة الى نسب تلقيح بمعدل 95 في المئة خلال وقت قليل لأن هذا الأمر يتطلب مقومات كبيرة جداً. ويجب أن نعرف أننا حافظنا على عدم تدني نسب التلقيح من جديد والبدء بالارتفاع بشكل معقول لأن التحديات لا تزال كبيرة والعوائق لا تزال موجودة”.
وتقول حمادة: “كانت نسبة التلقيح في لبنان لجهة اللقاحات الأساسية تصل الى ٩٦ في المئة، والتي تضم شلل الأطفال والحصبة والحصبة الألمانية وأبو الكعب والأنفلوانزا “ب”، و٩٩ في المئة من الأطفال حديثي الولادة كانوا يتلقون لقاح الصفيرة “ب” في المستشفيات، وبالتالي كان لدينا نسبة تلقيح عالية جداً والتي تراجعت للأسباب التي ذكرناها.
وأضافت “كي نلقّح طفلاً لا نحتاج فقط الى اللقاح في مركز الكرنتينا أو في المناطق، إنما نحتاج إلى أن يتمكن الأهل من الخروج من منازلهم والتوجه الى مراكز التلقيح لتطعيم أطفالهم.
الآن.. بإمكانك الإشتراك في قناة الطبية على اليوتيوب
أنتجت هذه المادة بإشراف خبراء من وكالة “تومسون رويترز” ضمن برنامج “نحو صحافة صحية فاعلة” ونشرت في موقع “MTV” اللبناني.
Source : https://alttebiah.net/?p=22322