الطبية/ عُلا السفرجل
كانت تضطر بين فينة وأخرى لخوض نقاشات وجدل كبير مع بعض أفراد العائلة دفاعا عن حقها في الالتحاق بالمدرسة ومواصلة دراستها.
كانت عائلة الدكتورة منى الفضلي طبيبة العيون في مستشفى الكويت بصنعاء، غير متقبلة تعليم الفتاة في المدارس، ويرون في ذلك تجاوزا كبيرا، وهكذا كانت الكثير من الأسر اليمنية تتعامل مع التعليم حتى وقت قريب.
لكن قدوم بعض أقارب الدكتورة من الصين غير مجرى حياتها بعدما اقنعوا والدها بأهمية السماح لها بالالتحاق بالمدرسة، وهذا ما تم ، لكن الأمر لم ينته هنا، تقول الفضلي “في كل مرة يزورنا أقاربنا القادمين من البلاد نخوض حربا بين العيب والنقاشات بإيقافي والتذمر لمواصلتي بالرغم من قرى مجاورة أخرى حينها كانت تعلم بناتها”.
كانت منى واحدة من أربع فتيات و 80 طالبا يتلقون التعليم في مدرسة بيت عاطف بمنطقة بني حوات شمال العاصمة صنعاء، تقول في حديثها للمجلة الطبية “كان سقف المدرسة مهترئا وإذا هطل المطر نخرج لتلقي الدروس في الخارج خوفا من سقوط السقف، وكنا نجلس على الأحجار لعدم وجود كراسي ومعلمونا من السودان”.
تغير الوضع
أصيب والد منى بمرض وبقي في المستشفى لفترة، هذا الوضع غير في سير حياة الأسرة التي نقلت مقر سكنها من حي نقم إلى منطقة بني حوات شمال صنعاء، واضطرت منى وأختها للعمل من أجل توفير احتياجات الحياة، فعملتا في الأشغال اليدوية كصناعة الجوارب والاغطية، تقول منى ” لدي موهبة الرسم وكنت أرسم أبطال مسلسلات الكرتون في وقتنا وأبيعها لزميلاتي ب١٠ـ ريالات كي استطيع شراء الدفاتر والأقلام والألوان”.
الثانوية ومسير الـ15 كيلومترا
أنهت الإعدادية بعد كفاح كبير لم يرغب والدها في تحطيمها ورأى فيها الأمل، لكنه اشترط ان تتكفل هي بتوفير مستلزماتها الدراسية بنفسها ومن خلال عملها بالحرف اليدوية.
كانت تستيقظ الرابعة قبل الفجر لاستذكار دروسها على ضوء الشمعة ثم تجهز الغداء وتصلي الفجر وتنطلق مشيا على الأقدام إلى مدرستها “الجيل الجديد” في منطقة الروضة والتي تبعد عن منزلها عدة كيلومترات على مدى ثلاث سنوات حتى أكملت الثانوية.
من مؤلفة روائية إلى طبيبة عيون
كانت تحلم بأن تصبح أديبة يقرأ الناس قصصها ورواياتها، وقد كتبت بالفعل 127 بين قصة قصيرة ورواية، تقول “معظم القصص مستقاة من الواقع وأضيف إليها من خيالي .. لكنها قصص ناس كنت أسمعها ممن حولي ومن المرضى وأشخاص صعدوا معي المواصلات وإلى أكثر القصص التي جسدت روح وحياة في حياتي هي حكاية مؤلف وأيضا كتابة قصتي الخاصة التي أوقفتها بسبب ضعف نظري وانتظاري للنظارة كي تصل من دبي” .
دبلوم تمريض
بعد الثانوية اقترح أحد الجيران يدعي العم قاسم الحكيمي على والد منى السماح لها أن تلتحق بالمعهد العالي لدراسة التمريض مع ابنته، وقد نجح في ذلك.
تقول “التحقت بالمعهد لـ 3 أعوام والعام الرابع امتياز في فترة وكان المعهد يدفع 4,000 ريال لكل طالب مع وجبتين، وقد كان التمريض مجال يدر المال وبالفعل درست وأشتغلت في مشفى في سنة ثانية براتب 8 آلاف في اليمني الاول ومسكت قسم الجراحة والأسنان والباطنية في نفس الوقت بعد دوام المعهد”.
كانت تعود إلى منزلها في السادسة مساء.. وقد ساهم عملها في تحسن وضع الأسرة المادي إلى حد ما، وبعد تخرجها من المعهد انتقلت للعمل في مستشفى الشرطة بمنطقة حدة ثم قدمت في مستشفى الكويت وطبقت 4 أشهر بدون راتب.
تقول منى، كانت المسافة بعيدة بين المنزل والمستشفى ولذلك عدت للحرف اليدوية من جديد كي أوفر مصاريفي ومواصلات، وحينها ضعف نظري أكثر .. بجانب القرنية المخروطية في عيناي وهو مرض وراثي”.
حصلت على الدرجة الوظيفية في 2003 ، في البداية كانت تعمل ممرضة في قسم الأذن والأنف والحنجرة وفنية عمليات لمدة 5 سنوات وايضا عملت سنتين في تخطيط ECG وبعد سفر الأطباء والممرضين الهنود بسبب الحرب عملت في قسم ليزر العيون وعيادتي العيون بالمشفى وهذا العام العاشر.
تضيف “يعود الفضل للأطباء العراقيين في ممارستي لطب العيون واكتسابي خبرات ومهارات متخصصة في معاينة الأطفال لحبي لهم” وهي الآن تعمل من أجل استكمال مسيرتها الأكاديمية من خلال التقدم لدراسة الماجستير.
أصعب أيام العمر
ظلت منى تعمل بشهادة الدبلوم إلى 2011 عندما قررت مع إحدى صديقاتها إكمال الدراسة والحصول على شهادة البكالوريوس، وقد كانت مرحلة البكالوريوس من أصعب أيام حياتها حيث توفى والدها الذي كان يمثل لها السند الوحيد .. هو من وقف بجانبها دائما ودعمها وشجعها لتصل اليوم إلى هذا المكان.
بعد وفاة والدها، بدأ الزهايمر يهاجم والدتها، تقول “لم نلاحظ إصابتها بالزهايمر إلا بعد عامين من الإصابة وهي الآن في المرحلة الـ3 زهايمر .. زهايمر متقدم، الى درجة تضيع منهم أحيانا.
وتضيف “بدأت رحلة علاج والدتي.. وقيمة أدوية الزهايمر مرتفعة، وزيارات متكررة للطبيب وفحوصات أيضا مرتفعة، في ظل عدم وجود مصدر دخل سوى راتبي”، رعت منى والدتها في مرضها إلى أن توفيت عام 2017 بسبب الكوليرا.
مواقف إيجابية
تقول “المواقف الإيجابية والسلبية في حياتي بالمشفى، عندما توجد حالات فقيرة ولا استطيع مساعدتهم، غالبا أجد المساعدة من مدير القسم الدكتور طلال حيدر، عندما يتعاون معي لمساعدتهم في إجراء عمليات ومراعاة وضعهم المادي .. أيضا من المواقف الإيجابية للدكتور طلال عندما قام بإصلاح جهازين من ماله الخاص بالتعاون مع الدكتور عبدالمغني البراق، ومثل هذه المواقف تدعم استمرارنا”.
أيضا مساعدة المرضى من أهم أسباب استمراري في العمل، وتعامل المرضى معي خاصة أوقات الازدحام، وتعاملهم وتراحمهم في ما بينهم وبدون معرفتهم لبعض ووقفوهم بجانب المرضى من كبار السن” .
أسمى معاني التعاون
المبادرات المجتمعية التي تقدمها لمن حولها عظيمة جداً تقول للطبية “منذ حوالي أربع سنوات أشارك في حملات نزول ميداني تطوعية مع مؤسسة خذ بيدي ننفذ خلالها ورشات توعويه حول الأمراض والتغذية الطبيعية لأمهات ذوي الاحتياجات الخاصة المعاقين وأيضا محاضرات توعوية عن أضرار التدخين والتيفوئيد في معاهد سابقا” .
فيما تقدم لجيرانها مع أختها دروسا خصوصية لطلاب المدارس وتساهم في جمع الملابس والمواد الغذائية وتوزيعها على فقراء الحي ونجحت في إيجاد من يكفل بدل تعليم طلاب وطالبات أيتام وفقراء من قبل أطباء وآخرين.
نظرتها للطب
تعتبر الدكتورة منى مهنة الطب أفضل مهنة لأنها تجعلها تقف لمساندة مريض حتى وهي بأشد الحاجة لمن يقف بجوارها، كما أنها دائما تحرص على تطوير قدراتها المهنية من خلال بذل الجهد في القراءة والاطلاع المستمر على الأبحاث العلمية والمجلات العلمية بمجال الطب والبصريات.
ختاماً ترى الدكتورة منى بأن عمل المرأة هو كيانها وهو من يجنبها التعرض للإذلال، كما يحميها ممن يحاول التحكم بها، ولا يجعلها تحتاج لأحد، وتوصي النساء بضرورة التعليم حتى لو كانت المرأة تشعر بأنها كبرت في السن وواجهت صعوبات في الحفظ والتعلم.
الدكتورة منى الفضلي ذات الروح المبادرة تشارك في صنع مجتمع وحماية مهنة بالرغم من كل المعوقات التي تجعل آخرين يلوذون باليأس والاستسلام انتصرت على الواقع باستمرارها في كتابة القصص ومعالجة المرضى وإعانة المحتاجين.
المصدر : https://alttebiah.net/?p=24614