fbpx
فلاش3 ديسمبر 2021

عند باب “الإنعاش”… قصة إنسانية

mohammed alghobasi
تشخيصفلك الطبية
19 سبتمبر 2019آخر تحديث : الخميس 19 سبتمبر 2019 - 7:24 مساءً
Ad Space
عند باب “الإنعاش”… قصة إنسانية
Ad Space
معين النجري

كنا على موعد لاستكمال مقابلة معها حول وضع النازحين من محافظة الحديدة إلى صنعاء، لقد قمنا بالفعل بإجراء المقابلة لكن بعض الاستفسارات طرأت أثناء كتابة القصة ما استوجب العودة إليها … لكن بعد فوات الأوان.

قالت ((سعدة)) -41 عاماً- أن والدتها أُصيبت بجلطة وتم إسعافها إلى المستشفى وبعد أن تم تشخيص المرض اخبرها الأطباء بإصابة والدتها بجلطة ولكنها ليست مميتة ويمكن تلافيها في حال خضعت فاطمة إلى عناية مركزة وحصلت على الأدوية اللازمة.

(سعدة) وعائلتها المكونة من 16 فرداً معظمهم أطفال مجرد نازحين يبحثون عن مأوى يقيهم حر الصيف وبرد الشتاء، هذه العائلة تقتات مما يتركه زبائن المطاعم وعلى ما يحصل عليه أطفالهم من بيع علب البلاستيك الفارغة.

كانت الدموع تقطع حديث (سعدة) ونضطر لإيقاف التصوير معها حتى تستعيد نفسها، لقد عرضنا عليها إلغاء المقابلة بالفعل لكنها أصرّت على التسجيل لإيصال صوتها إلى المعنيين وأهل الخير،بحسب اعتقادها،.

قالت رفضت إدارة المستشفى إدخال والدتي إلى غرفة “الإنعاش” العناية المركزة لأننا فقراء ولا نملك التكاليف.

هنا كان يجب أن نتوقف عن التصوير فقد دخلت (سعدة) في نوبة بكاء تحوّل إلى نشيج مرتفع، حينها لم يستطع أحد أن يمنع دموعه، ليس أكثر ألماً وحرقة من أن يشعر المرء انه عاجز عن إنقاذ حياة والدته.

عادت (سعدة) للحديث “طلبوا منا تقديم رهن ذهب أو مفتاح سيارة أو ما شابه ذلك ليسمحوا لها بدخول العناية المركزة حتى نتمكن من جمع رسوم الغرفة وقيمة العلاج، لكنّا أنا وأخي وزوجي لا نملك قوت يومنا ولا قوت أطفالنا فمن أين يمكن أن نجمع المبلغ”

لقد اخبروهم أنهم غير قادرين على تقديم أي نوع من الرهن أو تدبير المبلغ، قالوا لإدارة المستشفى “نحن نازحون فقراء ولا نملك شيئا نقدمه” فأتى الرد “ونحن لا نستطيع قبول المريضة في غرفة العناية ولا معالجتها”

كانت (سعدة) في حالة رجاء ودموع تسفحها عند المختصين في الشؤون المالية علّهم يجدون وسيلة لقبول والدتها التي مضى على بقائها في غرفة الطوارئ ثلاث ساعات منذ وصولها، وكانت قد أُصيبت بالجلطة قبل وصولها بساعة ونصف بحسب تشخيص الأطباء.

Ad Space

عند الساعة الثانية عصرا تقريبا شعرت (سعدة) بيد أحدهم تحط على كتفها برفق، لم تكن سوى يد زوجها منصور تحمل الخبر الذي لا تريد (سعدة) سماعه، لكن كان لابد من أن تصغي لصوت الهزيمة المرة.

لا داعي لأن تترجي أحدا يا عزيزتي لقد رفضت والدتك المزيد من الإذلال واختصرت عليهم وعلينا الطريق، “تحمديه وتشكريه والبقية بحياتك”.

قالت (سعدة) بصوت مليء بالحسرة والنقمة “لو كان لي قدرة لهديت المستشفى على رؤوس من فيه” موجة كره عمياء اجتاحت الابنة التي عجزت عن إنقاذ حياة والدتها، كره لكل شيء في الحياة.

“في تلك اللحظة كرهت الأطباء والمستشفى والموظفين والدولة والمرضى وحتى زوجي الذي اخبرني بوفاة أمي .. كرهت حتى نفسي”

لقد عانت (سعدة) ويلات الحرب والنزوح والفقر والحاجة لكنها لم تشعر أبدا أنها ليست في أمان مثلما شعرت بعد فقدان والدتها بتلك الطريقة وبسبب فقرها، تقول “قبل موت والدتي لم أكن أشعر أبدا أن الفقر شيء يستحق الخوف منه، دائما ما نجد ما نأكله لكنّا الآن فقدنا الأمان الحقيقي، فقد يفقد أحدنا حياته لأنه لا يجد قيمة الدواء أو مصاريف المستشفى”.

ليست (سعدة) الوحيدة التي فقدت الأمان بسبب عدم امتلاكها مصاريف علاج والدتها فهناك الكثير من المرضى يعودون يوميا من أمام بوابة غرفة العناية المركزة في جميع المستشفيات الخاصة بصنعاء لأنهم لا يستطيعون دفع تكاليفها.

أنهم يفضلون الموت على البقاء في مربع الذل بانتظار ما لن يأتي من إدارات المستشفيات الخاصة التي أصبحت ترى إلى المريض على انه مجرد شيك مفتوح.

الكثير من المرضى اليمنيين يعيشون موقف (سعدة) وأمها فاطمة بشكل يومي لا يكون هناك صحفي يبحث عن قصة فيجري معهم مقابلة لينقل معاناتهم إلى المتلقي.

ماتت فاطمة -66 عاما- وتموت يوميا الكثير من الأمهات والآباء والأبناء والإخوة بسبب عدم امتلاكهم ثمن الأدوية أو مصاريف التداوي والرقود في المستشفيات الخاصة وحتى العامة وسنظل نحن ننقل قصص من صادفناهم أثناء رحلة المعاناة دون أن نجد لهم حلا.

فالحكومة لا تفكر كثيرا بأمر هؤلاء البسطاء ومستثمرو الطب لا يعتقدون أن المجتمع بحاجة إلى المزيد من المرضى المعدمين.

Ad Space
Ad Space
رابط مختصر

اترك تعليق

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *


شروط التعليق :

عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

Ad Space