متلازمة داون.. وصمة مجتمعية تلاحق أولادنا
المجلة الطبية_ نجود مرشد المعمري|
تعرضت الشابة نور -17 عاما، التي تعاني من متلازمة داون- للتنمر والسخرية في مدرستها مما دفعها لترك حقها في التعليم بالصف الثالث الابتدائي، حتى تحولت إلى إنسانة عنيدة وتتجنب الاختلاط بالآخرين مع أنها كانت ودودة ولطيفة.
كانت والدتها الأربعينية عائشة علي تنظر اليها وهي تتحدث عن الجهود التي تبذلها الاسرة لتعليم الطفلة في المنزل والاهتمام بتفاصيل حياتها، وفجأة أغرورقت عيناها بالدموع وتغيرت نبرة صوتها وهي تقول “من سيهتم بـنور بعد أن أموت.. يقتلني الخوف عليها.. من سيتحملها، وهل ستكون ابنتي بخير بعد وفاتي”.
رغم أن لديها 10 أطفال إلا إن قلقها كان يدور حول مستقبل نور فقط.
مرت دقائق قبل أن تستعيد الأم هدوءها لتضيف في حديثها -لـ المجلة الطبية- “الجميع في المنزل يتعامل معها بشكل طبيعي، لكنها في نظري فتاة مميزة منذ أن كنت حاملا بها”.
رزقت عائشة عشرة أطفال خمسة منهم ذكور وخمس إناث غير أن مشاعر الأمومة تجاه نور كانت مختلفة تقول” منذ الأشهر الأولى للحمل، كان إحساس الأمومة عندي مرتفعا بطريقه مختلفة عنه في كل حمل، وكان شوقي وحنيني لقدوم هذا المولود شديدا”.
قد يهمك..مستشفيات صنعاء تجهز غرف خاصة استعداداً لكورونا
بعد شهر ونصف على الولادة أصيبت نور بحمى ما استدعى عرضها على الطبيب الذي أخبر والدتها بأن الطفلة تعاني من متلازمة داون، لكنها لم تكن تعرف ماذا تعني هذه المتلازمة، وبعد ان شرح لها الطبيب أصيبت بصدمة كبيرة، حد وصفها.
وعلى مدى 17 عاما يتعامل معها أفراد الأسرة بشكل طبيعي، ورغم هذا تقول والدتها أنها ” فتاه عنيدة وسريعة الخوف وفي نفس الوقت خجولة حساسة جدا وتفهم محيطها بشكل جيد”.
ولأنها لا تحب الاختلاط مع الآخرين فضلت العائلة عدم إلحاقها بأي نوع من المدارس الخاصة بالأشخاص ذوي الإعاقة، “نتعامل معها بحب وصبر ونهتم بجميع تفاصيل حياتها من مأكل وملبس وصحة، وترفيه”.
وعلى عكس الأم عائشة عرفت الأربعينية خديجة محمد أن مولودها الذكر الوحيد من بين سبع أخوات يعاني من متلازمة داون بعد ولادته مباشرة.
تقول في حديثها -لـ المجلة الطبية- “دخلت في نوبة بكاء شديدة واحتضنت طفلي الذي طالما انتظرته” ورغم مرور خمس سنوات على مولده ما يزال حلمي غير قادر على المشي بمفرده.
يبدو أن قلق الأمهات على أطفالهن المصابين بمتلازمة داون ليس من المرض فحسب بل من تعامل المجتمع مع الأطفال خاصة.
تقول خديجة “يعتصرني الحزن عندما ألاحظ كيف يتعامل معه الآخرين، إنهم ينظرون إليه بعين الشفقة وأحيانا نظرة دونية بنوع من السخرية بطريقة غير مباشرة، أو يتضايق أحدهم إذا لمسه ابني بيده”
وتضيف بحزن “كلما أفكر به كيف سيتعامل معه الناس عندما يكبر، لا أريد أن يتعاملوا مع طفلي بشفقة أو يشعرونه بضعفه وعجزه”
لم تستطع عائلة خديجة أن تلحق الطفل بأي جمعية أو مؤسسة من الجمعيات المتخصصة في رعاية الأشخاص ذوي الاحتياجات الخاصة بسبب الوضع الاقتصادي المتردي، بحسب قولها، فانهم عائلة بالكاد يحصلون على لقمة العيش.
إقرأ أيضاً..سقطرى.. انطلاق ثلاث عيادات متنقلة بدعم من اليونيسيف
نور وحلمي اثنان ضمن أكثر من 10 آلاف شخص، يعانون من متلازمة داون في العاصمة صنعاء، بحسب تصريح صحفي سابق لرئيسة الجمعية اليمنية لمتلازمة داون الدكتورة رشا الخطيب، التي افادت بأن ألفاً فقط منهم يحصلون على رعاية المراكز الخاصة برعاية هذه الشريحة بينما 9000 غير مسجلين في أي مركز أو منظمة، مؤكدة أن هناك آلاف غيرهم يعيشون في قرى ومدن اليمن.
وبحسب موقع مايو كلينك الأمريكي يعرف متلازمة داون بأنه اضطراب جيني يتسبب في زيادة عدد الكروموسومات من 46 لتصبح 47 كروموسومًا، وذلك عند حدوث انقسام غير طبيعي للخلايا في المادة الوراثية من الكروموسوم رقم 21. هذا الاضطراب الجيني يختلف من طفل لآخر في شدتة مسببًا إعاقة ذهنية وتأخرًا في النمو مدى الحياة وصعوبات في التعلم عند الأطفال المصابين به.
تبادل التجارب
يوضح الاخصائي الدكتور محمد عبدالله بأن متلازمة داون تأتي نتيجة اختلاف جيني في الكروموسومات تنتج عنها تغيرات جسدية وعقلية لدى المصابين بها.
يقول في حديثه -لـ المجلة الطبية- أن المصابين بمتلازمة داون بحاجة الى تعامل خاص من قبل أسرهم والمجتمع المحيط بهم ومراعاة التأخر في النمو العقلي الذي يسببه المرض “إنهم بحاجه دائمة للمساعدة”.
وينصح الدكتور عبدالله -الأسر التي تمتلك مصابا بمتلازمة داون- تبادل التجارب مع أهالي آخرين لديهم مصابون بمتلازمة داون لأن ذلك من شأنه أن يشكل عاملا مساعدا في تطورهم، مشددا على ضرورة إجراء الفحوصات الطبية بشكل دوري للتأكد من عدم وجود أي مضاعفات فالكثير من حالات متلازمة داون مرتبطة بمشاكل في القلب والأمعاء.
وحول ما إذا كان لزواج الأقارب علاقة بالإصابة أفاد عبدالله بأن لا علاقة مباشرة لزواج الأقارب بإنجاب مصابين بمتلازمة داون لأن الخلل يكون بسبب ترتيب الكروموسومات، مضيفا بأن مستويات المرض تكون مرتبطة بحجم التشوهات الخلقية المصاحبة للمرض وأنه كلما كانت التشوهات الخلقية المصاحبة للمرض أقل كلما زاد عمر المصاب بمتلازمة داون وقلة نسبة وفاته بسن مبكر.
ولفت إلى أن أعمار المصابين بمتلازمة داون تصل حاليا إلى 60 عاما فأكثر، بسبب تقديم الدعم النفسي والاجتماعي.
ويؤكد الأخصائي أن امكانية القضاء على متلازمة داون أو التعافي منها غير واردة وأن الخطط العلاجية تعتمد على تنمية المهارات الفكرية والبدنية وكذلك المتابعة المستمرة للعيوب والتشوهات الخلقية.
نظرة قاصرة
تؤكد إلهام حزام -مسؤولة التربية في جمعية تنمية وتأهيل ذوي الاحتياجات الخاصة- أن الكثير ممن يعانون من متلازمة داون يتلقون تعليمهم في دور الحضانة أو المدارس العادية غير المتخصصة.
وتضيف -في تصريح لـ “المجلة الطبية “- بعض الحالات المتقدمة التي تعاني من إعاقات تعليمية تحتاج الى رعاية خاصة ومدارس وجمعيات متخصصة.
وبحسب حزام، فإن تعامل المجتمع مع مريض متلازمة داون محصور ما بين الشفقة عليهم والخوف منهم، مبينة أن الكثير من الناس، يخاف من انتقال المرض إليه أو لاحد افراد اسرته، لجهلهم طبيعة الإصابة فهو ليس مرضا وبائيا، مطالبة بضرورة تغيير نظرة المجتمع من خلال توعيته بماهية المرض وأسبابه وطرق التعامل معه.
وتضيف حزام بأن هنالك العديد من الجمعيات التي تقدم خدمة التعليم، وتقديم الدعم النفسي، وتنمية المهارات، عند ذوي الاعاقة، بشكل عام، ومن ضمنها متلازمة داون في مناطق مختلفة من العاصمة صنعاء.
وبحسب التقديرات التي نشرتها هيئة الأمم المتحدة في موقعها على الانترنت يقدر عدد المصابين بمتلازمة داون بين 1 من 1000 إلى 1 من 1100 من الولادات الحية في جميع أنحاء العالم، ويولد كل عام ما يقرب من 3000 الى 5000 من الأطفال الذين يعانون من هذا الاضطراب الجيني.
أنت مدعو للإشتراك في قناة الطبية في اليوتيوب
المصدر : https://alttebiah.net/?p=15034