يأتي مفهوم الصداقة من مصدر وحيد وهو الصدق.. والصدق صفة ملازمة لصغار السن الذين ما تزال عقولهم ومساحات فهمهم وآماد تفكيرهم نقية ولا تتجاوز أفق البراءة، لذا فإنهم أقل فئات العمر حاجة للكذب وتزييف الحقائق والوقائع.
وحول ارتباط الصداقة بالأطفال تقول د.هالة الأبلم وهي مستشارة نفسية واجتماعية أن الصداقة في المراحل الأولى للطفولة تكون عفوية وتتسم بالتعبير اللفظي والمدح والتحفيز، وأيضاً بالخصوصية بين الصديقين والتقارب النفسي والتشابه، ووجود المساحات المشتركة بين الصديقين.
وتوكد الأبلم أن العلاقات الاجتماعية للطفل مع الأطفال الآخرين من نفس العمر، توفر خبرات غنية في الحوار والمشاركة والتعاون.. وذلك بطبيعة الحال مما يعمل على تطوير المهارات الاجتماعية عند الطفل بشكل كبير، خصوصا في المرحلة العمرية الكائنة بين سنتين وست سنوات.
أما إيلين كينيدي مور، وهي أخصائية علم النفس الإكلينيكي ومؤلفة كتاب “تزايد الصداقات: دليل الأطفال لتكوين صداقات والحفاظ عليها“، فترى أن الأطفال بدءا من سن الرابعة تقريبًا، يُدركون أن الآخرين قد تكون لديهم أفكار واهتمامات ومشاعر مختلفة عن أفكارهم واهتماماتهم،وهذه القدرة الناشئة، التي تعرف باسم “نظرية العقل“، تساعد الأطفال على تكوين صداقات.
وتقول مور أيضاً إن الأطفال غالبًا ما تكون لديهم وجهة نظر براغماتية عن الصداقة، ويشكلون روابط وثيقة مع أقرانهم في الملعب أو الفصل الدراسي، بناء على نهج يمكن أن يطلق عليه اسم (حب من أنت معه)”.
وتضيف:“الشيء الذي يتمتع به الأطفال أكثر من البالغين هو أنهم يعيشون في غرفة واحدة مع 25 شخصًا آخر في نفس المرحلة السنية لحياتهم.. أما في مرحلة البلوغ، فيتطلب الأمر جهدًا مدروسًا للعثور على الصداقات الجيدة وتنميتها“.
ووفقًا لدراسات، يجب على البالغين قضاء نحو 50 ساعة معًا للانتقال من مجرد معرفة إلى صديق غير رسمي، و90 ساعة معًا قبل اعتبار كل منهما صديقًا للآخر، وأكثر من 200 ساعة ليصبحا أصدقاء مقربين..
مساعدة الأطفال
يُقيم الأطفال في جميع أنحاء العالم علاقات وثيقة، سواء مع الأصدقاء أو مع أفراد الأسرة.. وإذا كان الأطفال لا يتحدثون عن الأصدقاء في المنزل، فهذا لا يعني أنه ليس لديهم أي أصدقاء، كما تقول مور، التي تشير إلى أن هذا قد يكون لأنهم يفضلون أسلوبًا أكثر هدوءً في التفاعل مع الآخرين.
ويذكر متخصصون أن مساعدة الأطفال على تكوين صداقات قوية يمكن أن تعود بفوائد كبيرة عليهم طوال الحياة..ويمكن للآباء والأمهات دعم أطفالهم فيما يتعلق بتكوين الصداقات من خلال تنظيم لقاءات ممتعة خارج المدرسة.. تقولمور:“عادةً ما يكوّن الأطفال صداقات عن طريق القيام بأشياء ممتعة معًا، لذلك قد ترغب في التفكير في اهتمامات طفلك والبحث عن الأنشطة التي تناسب شخصيته والتي يمكنه القيام بها مع الأطفال الآخرين“.
علاج اجتماعي وطبي
تظهر الأبحاث أن الحفاظ على الصداقات الوثيقة له تأثير إيجابي على صحة القلب والأوعية الدموية وصحة الغدد الصماء العصبية، فضلاً عن جهاز المناعة.
كما أظهرت أبحاث أن الصداقة كرابط اجتماعي يمكن أن تلعب دورًا حيويًا في مساعدة الأطفال على مواجهة التحديات والصعوبات في حياتهم، فالطفل الذي لديه صديق مقرب يكون أقل عرضة للشعور بالوحدة والاكتئاب، كما يُقدر نفسه بشكل أكبر.
وقد تتغير الصداقات طوال الوقت خلال فترة الطفولة، وعندما ينفصل الأصدقاء المقربون عن بعضهم بعضا أو يبتعدون،يكون ذلك صعبا للغاية عليهم،لذلك من المهم أن يناقش الآباء هذا الأمر مع أطفالهم وأن يدعموهم خلال هذه العملية.
ووفق عديد دراسات، توفر الصداقات القوية فوائد صحية أكبر من الإقلاع عن التدخين أو فقدان الوزن أو ممارسة الرياضة. ويظهر التحليل أن وجود مجموعة من الأصدقاء المقربين وروابط أسرية قوية يقلل من خطر وفاة الأشخاص بنسبة 50 في المئة.