مدير مستشفى الأمراض النفسية يكشف:
الجهل والعادات المغلوطة يحبسان امرأة عشر سنوات
لقاء / هاني المحويتي
عشر سنوات قضتها مريضة نفسية في حبسين اثنين، الأول حبس المرض الذي كبل حرية الروح، والثاني حبس الجهل والفهم القاصر والعادات البالية التي دفعت عائلتها إلى حبسها بين أربعة جدران لا تغادرها أبداً.
يقول مدير مستشفى الأمراض النفسية بالعاصمة صنعاء -الدكتور سامي الشرعبي في حديثه لـ»المجلة الطبية» «إن العشرات من النساء المريضات لا يقوم أهاليهن بإحضارهن للمستشفى خوفاً من وصمة العار أو الحرج» ويرجع الكثير من أسباب إصابة النساء بالأمراض النفسية إلى مشاكل زواج القاصرات والحمل المبكر والمشاحنات الأسرية والضغوط المعيشية خاصة في هذه الفترة بسبب تردي الأوضاع الاقتصادية.
وفي ذات السياق يضيف الدكتور سامي الشرعبي أن الوضع القائم في البلد جراء الحرب والحصار والفقر يسبب للكثير صدمة نفسية لم يستطعوا التغلب عليها، بالإضافة إلى ضغوطات الحياة اليومية مع اختلاف مقاومة هذه الضغوط من شخص لأخر،فقد ينهار الشخص عند أول مشكلة يتعرض لها وتدخله في حالة نفسية، كما ان للتربية الأسرية دوراً في الاستقرار النفسي والعكس ، فاضطهاد الآباء لأبنائهم منذ الطفولة وبالتالي تتولد لديهم عقد وما أن يصل لعمر 20 عاماً أو أكثر حتى يدخل مرحلة انفصام الشخصية والمرض النفسي.
فحص النفسية
يمكن أن يخضع المقدمون على الزواج لاختبار نفسي يحدد مدى قابليتهم للعيش ومواجهة الحياة في جبهة واحدة، يقول الدكتور الشرعبي أن لديهم في المستشفى مختبراً نفسياً يقوم بذلك.
ويؤكد أن المختبر يقوم بـ» اختبار التوافق الزواجي من قبل أخصائيين نفسيين وتحديد ما إذا كانت هذه العلاقة ناجحة أم لا وتختبر نفسية كل من الزوجين وتحديد قدرات كل شخص»
وأفاد أن هذا الفحص لا يقل شأناً عن فحص الهرمونات والتوافقات الأخرى التي يتم إجراؤها .
وحول تأثير الزواج المبكر على النفسية عند المرأة يضيف الشرعبي « يأتي الزواج المبكر في وقت تكون الفتاة غير مهيأة لهذه العلاقة نفسياً وجسدياً وغير ناضجة، وبالتالي عندما تحمل الفتاة الصغيرة تدخل في ضغوط نفسية كبيرة، وبعد الولادة يحصل لها كرب، كما أن الفسيولوجية الخاصة بجسم الأم القاصر لا تكون متقبلة الجنين الجديد الذي تحمله في بطنها».
من الشارع إلى المستشفى
يتم إحضار معظم المرضى من النساء من قبل أجهزة الشرطة خاصة المصابات بحالة نفسية ممن يعشن في الشوارع بالإضافة إلى الأحداث والأطفال، وبحسب مدير مستشفى الأمراض النفسية تم استقبال 3110 مريضات لـ»المعاينة» خلال العام الماضي 2018 من بين 17422 مريضاً إجمالي المرضى لنفس العام بينهم أطفال وكبار سن ورجال.
أما قسم الرقود فقد استقبل في الفترة ذاتها 1098 مريضاً من بينهم 121 امرأة ، بالإضافة إلى استقبال المئات من الحالات المرضية في أقسام الجلسات النفسية والاختبارات النفسية ودراسة حالة وقصة مرضية وأنشطة التأهيل النفسي وتقديم استشارات نفسية وجلسات العلاج الأسري وإقامة المحاضرات التوعوية للإرشاد الأسري،.
وبحسب إحصائيات المستشفى استقبل مركز إعادة تأهيل المدمنين في المستشفى العام الماضي 143 حالة إدمان، وقد زادت الحالات خلال الخمس سنوات الماضية بنسبة 100 % جراء الحرب والحصار والوضع المعيشي والاقتصادي المتردي.
هذه الإحصائيات خاصة بالمستشفى أما على المستوى العام لا توجد إحصائيات دقيقة ، وحد قول الدكتور الشرعبي لا يوجد لدى وزارة الصحة العامة أي إحصائيات رسمية بشأن هذا المرض ولكن هناك مسحاً سيتم قريباً بدعم من الاتحاد الأوربي، إنهم يعولون على هذا المسح كثيراً للخروج بنتائج واضحة.
الوحيد والثالث
في المستشفى الوحيد بالعاصمة صنعاء والثالث على مستوى اليمن يعجز مستشفى الأمراض النفسية والعصبية وعلاج الإدمان عن استقبال المزيد من الحالات المرضية التي تزداد يومياً ويربطهم قاسم مشترك جميعاً هو «وجع الحياة»، فالمستشفى الذي تم إنشاؤه عام 1991 يعتمد بشكل كلي على ما يتم تحصيله من رسوم رمزية من قبل المريض، بالإضافة إلى الدعم الحكومي المحدود إلا أن أبوابه ما تزال مفتوحة لتقديم خدمات العلاج والرقود والتدريب وتدريس كوادر وطلاب البورد العربي، كما يقوم بجانب التوعية والتثقيف في هذا المجال وكذا النزول للمدارس والأماكن العامة.
إمكانيات شحيحة
يقول الدكتور سامي الشرعبي أن المستشفى يمتلك 232 سعة سريرية في أقسام الرقود الخاصة بالأمراض النفسية، و14 سريراً في مركز الإدمان، و40 سريراً داخل قسم النساء، و12 طبيباً واستشارياً، و40 أخصائياً نفسياً، و60 ممرضاً وممرضة، وعدداً من الإداريين والحراسة. في الوقت الذي لا يتلقى أي دعم سواء كان محلياً أو دولياً .
انه قائم اليوم بالموارد المتاحة التي يتم الحصول عليها من المرضى وهي رمزية،حد تقديره ، فرسوم المعاينة لا تتجاوز 500 ريال بينما حددت رسوم الرقود بـ 2000 ريال في اليوم شاملة 4 وجبات بالإضافة إلى تقديم الرعاية الصحية والنظافة للمريض.بحسب ما أورده الدكتور الذي دعا وزارة الصحة إلى النظر لمستشفى الأمراض النفسية والعصبية بعين الاعتبار، «فالمستشفى بدون دعم سيعود إلى الوراء ولن يتمكن من تقديم خدماته لآلاف المرضى».
مرض العائلة
إن المريض النفسي خاصة عندما يكون امرأة يحتاج إلى عناية مختلفة تماما عن العناية بالمريض العضوي، فالمريض النفسي يشغل العائلة كاملة وقد يحولهم إلى أمراض نفسيين إذا لم يدركوا أهمية دورهم أمام الحالة النفسية التي يعانيها مريضهم.
وهذا ما ختم الدكتور الشرعبي به حديثه لـ»المجلة الطبية» عندما قال «إن علاج المريض النفسي لا يعتمد على المستشفى فقط، بل يعتمد على المريض نفسه وعلى الأسرة والمجتمع، وإذا لم يتكاتف الجميع لإنجاح مرحلة العلاج لهذا المريض فإنه سيكون بحاجة إلى علاج دائم مدى الحياة».
Source : https://alttebiah.net/?p=4257